طوب أبو خزامة .. ساحة الميدان قرب وزارة الدفاع
امام المبنى القديم لوزارة الدفاع مقابل ساحة الباب المعظم وسط عاصمتنا الحبيبة بغداد ينتصب مدفع نحاسي اصبح فيما بعد جزءا من التراث الشعبي البغدادي وشارعه العتيد شارع الرشيد وارتبط مدفع (ابو خزامة) بالكثير من العادات والمعتقدات الشعبية وكانت محلات بغداد القديمة ابان الاحتلال العثماني وقبل افتتاح الجادة العموميه ومابعدها قسمين قسم يسكنه رجال الدولة العثمانية من عسكريين ومدنيين وقسم يسكنه عامة الناس وتعتبر المحلات من الحيدر خانه حتى محلة الطوب باتجاه باب المعظم هي المحلات الخاصة بموظفي الدوله لقربها من القلعة ومن قشلة السراي ومن مقر الوالي والدوائر الحكومية الاخرى الواقعة بين نهر دجلة والجادة العمومية وأهمها (الطوب) قمر الدين جديد حسن باشا والحيدرخانه وكان العامه يطلقون على هذه المحلات أسم (محلات العصملي) أي محلات العثمانيين وسميت محلة الطوب نسبة إلى المدافع التي كان الجنود يضعونها على أعلى سور القلعة.
ولما هدم السور أيام الوالي مدحت باشا راح الناس يبنون دوراً لهم في الموقع الخالي بين بقايا السور وبستان يمتد جنوباً. ويعد (طوب أبو خزامه) الذي ظل جاثماً أمام باب القلعة (وزارة الدفاع) جزءاً من التراث الشعبي البغدادي ومن تراث شارع الرشيد فما من أحد مر في هذا الشارع خلال قرن من الزمن لم ير هذا المدفع الرابض على باب الوزارة ليذكر الناس بمجد عسكري عثماني افل. وطول المدفع أربعة أمتار وقطر فوهته نصف متر مصنوع من النحاس وسمي ب (طوب أبو حزامه) لوجود عروتين على جانبيه مع خرم في فوهته وشبه العامه كل عروة منهما ب (الخزامه) وهي الحلقة التي تلبسها المرأة في الريف في انفها بعد ان تخرم جانب الأنف وظل هذا التشبيه ملازماً لهذا المدفع العثماني حتى تم نقله الى المتحف البغدادي.
وعلى ظهر الطوب كتبت عبارة تقول (مما عمل برسم السلطان مراد خان ابن السلطان أحمد خان) وعلى مؤخرته نقراً عبارة تقول بالتركية مامعناه بالعربية (هذا عمل علي رئيس الجنود في باب السلطان سنة 1047) والسلطان مراد خان هو السلطان العثماني مراد الرابع (1612ت 1640 م) كان أخر السلاطين الاقوياء من آل عثمان أسترجع بغداد من شاه عباس الصفوي عام 1638م واعاد العراق لسيطرة الدولة العثمانية كان مراد الرابع شديد القسوة مفتول العضلات يحب مظاهر القوة لم يتورع من قتل ابن أخيه بايزيد بعد أنتصاره على الفرس خوفاً على سلطانه وكان من أسباب أنتصاره على الفرس تفوقه العسكري وقد تكون القوة المدفعية جزءاً من هذا التفوق .
سلطان عثماني يقود جيشه.. لاحظوا المدفع العملاق في اليمين
وقد شاع بين العامه البغدادية كما يقول أغلب المؤرخين إن هذا الطوب المدفع الذي ربض على باب القلعة ومن ثم وزارة الدفاع على رصيف الماره عقوداً طويله بحيث ظل يراه يومياً كل من يمربشارع الرشيد يعتبر صاحب معجزات وبعض من كتبوا عنه قالوا أن له الفضل الكبير في دحر الفرس واستعادة بغداد من قبل العثمانين حتى أضحى كما يقول عبد الكريم العلاف في نظر البسطاء من الناس أنذاك ولياً من أولياء الله يزورونه ويتبركون به ويعقدون الخرق بسلسلة الحديد التي تربطه الى قاعدته ويشعلون الشموع حوله كل ليلة جمعة واكثر زواره من النساء.
مدفع عثماني من نوع أخر .. يسحب من قبل الخيول
فالمرأة البغدادية تعتقد أنه ولي قلماً يخيب أمل زواره وبالطبع فأن اغلب المعتقدات العراقية هي معتقدات مبنية على (ألأمل والرجاء) فالأنسان العراقي رغم قوة تحمله وشجاعته في بناء حضارة وادي الرافدين عاش في بلد متلبد دائماً بالنكبات والمصائب وكان الإنسان العراقي يعقد الأمل حتى على الحجر الصامت ليعينه على تجاوز الصعاب ويبدو ان انتشارالأميه والجهل بين الناس انذاك في معظم نواحي بغداد ساعد كثير على نسخ هذه المعتقدات الخرافية حول هذا المدفع وغيره من الاشياء التي اصبحت موضع معتقدات البغداديين مثلما كانت الحكومة العثمانية تتركه منتصبا أمام الماره في الجادة العمومية (شارع الرشيد) لتجعله رمز قوتها وعنوان مهابتها ومن خلفه في ساحة القلعة أنتشرت مدافع أقل أهمية منه بشكل معرض يشير إلى مهابه العسكر في هذه الثكنه الأيله للسقوط.
طلاسم واسماك
يصف الاديب والباحث العراقي الراحل عبد الحميد العلوجي (طوب أبو خزامه) الذي صنعه رئيس حراس السلطان مراد. وجعله مدفعاً لايضاهية مدفع في شكله وحجمه. بما فيه من رموز وطلاسم شجعت العامة على تاليف معتقدات كثيرة حوله فصانعه أثقل كاهله بعروتين بارزتين وحفر على جانبيه عدداً من النجوم ورسم على ظهره تسع سمكات ثم جعله محمولاً على عجلتين. ويعتقد الباحث العلوجي ان لهذه الرموز معاني كثيرة فرسم السمكات هو تفاؤل بما للسمك من خصائص معروفة لدى علماء الحيوان حيث عرف السمك بشراهته وكثرة اكله وشدة حركته ونشاطه. والسمك في تفسير الاحلام والرؤيا يدل على الغنيمة. اما لماذا جعل علي رئيس حرس السلطان السمكات تسعاً فلأن التسعة تعادل حرف الطاء في علم النجوم وهذا الحرف في علم السحرهو حرف التدمير والقتل. واما النجوم المرسومة في حواشي المدفع فهي من قبيل المثلثات السحرية المرتبطة بحرف الطاء. فلاعجب اذا كانت هذه الرموز الغامضة تؤلف طلسما سحريا عند المؤمنين بها يحث المدفع على ابتلاع القذائف بشراهة. وعلى الحركة الدائبة دون هوادة وعلى الفتك باعداء السلطان بلارحمة ومن هنا حاز (طوب ابو خزامة) على جدارته في معتقدات العامة وبثقة الناذرين في نذورهم له.