حكاية 'عرضحالجي' بغداد
قرب شارع السراي
والقشلة (مقر الحكومة) تقع مقهى الشابندر، وكانت هذه المقهى مكانا يتجمع فيه
المراجعون للمحاكم ودوائر الحكومة التي تكثر في هذه المنطقة، فهي مزدحمة وبالاخص
حين تحول شارع المأمون (شارع المتنبي) الى شارع المكتبات
والعرضحالجية.
والعرضحالجي هو كاتب العرائض الذي كان يعد في ذلك الزمن اشهر
المهن واثقفها ومن الضروري ان يتصف بها كل من يريد مزاولة هذه المهنة . وفي مقدمتها
الخط الجميل والالمام الكامل بالقوانين والتعليمات ومتابعة المتغيرات اليومية في
القوانين، والقدرة على صياغة الاسترحام للمسؤولين باسلوب يجعل الحجر يرق ويبكي
دمعا. ولان نسبة الامية في ذلك الوقت كانت تصل الى 95% من سكان بغداد، فان الجميع
كانوا يلجاون الى العرضحالجي ليحل لهم مشاكلهم مع الحكومة ويكتب استرحاماتهم
للمسؤولين، وفي اغلبها استرحامات ترفع من منزلة 'الحمار' لتجعله في ارقى منازل
البشر.
هناك كان يجلس ابو سلمان عرضحالجي بغداد الذي يرصد لنا الحكايات اليومية
بين المواطن والمسؤول خلال هذه الحلقات. وقد تمتد حكاياته للوقت الحاضر. فهذا الذي
نكتبه هو بانوراما الحياة البغدادية رغم اختلاف الزمن.
حكاية ناجية واجور
الحراسة
يجلس العرضحالجي ابو سلمان وراء طاولة الكتابة في زاوية الشارع
مقابل القشلة قرب مقهى الشابندر، راح يهف بسدارته على وجهه ليخفف من شدة الحرارة
التي تلفح جسمه وهو يتطلع للمارة منتظرا مجيء زبون اليه، في هذه اللحظات جاءه مكي
العرضحالجي الآخر الذي يجلس على بعد منه، يقول له متوسلا وعلى عجالة من امره:
-
مكي: عيوني ابو سلمان، عندك طابع عريضة اتسلفني؟ عندي زبون ومحتاج طابع
لعريضته.
- ابو سلمان العرضحالجي (بضجر ولامبالاة) ماعندي!
- مكي: شكلك زعلان
! اكيد زعلان لان ما رجعت لك الطوابع الي اتسلفتهم منك.
- ابو سلمان: مكي،
لاتداهرني وتزعجني.. روح ارجع لمكانك، وانا لوعندي طوابع كان انطيتك، بعدين انت
عرضحالجي مثلي وتعرف بان الحكومة صارلها اسبوعين ماتوزع طوابع علينا، قطعت
رزقنا.
- مكي: قالولي اكو جماعة يبيعون الطوابع المالية بالسوق السودا.
-
ابو سلمان: لاتسألني عن الحرامية،. الحرامية هذي الايام بكثر الذبان، بعدين ارجوك
مكي اريد اتريق واشرب شاي وقررت اليوم ما اتكلم بالسياسة. ويظهر اكو ناس امحرضينك
علي حتى اتخليني اتكلم. يالله روح لشغلك.
- مكي (معاتبا): وانت شدعوى اليوم،
امقبط، زعلان؟ صاير شي؟
- ابو سليمان ماصاير شي، بس روح لاتتحرش بي. انت
عرضحالجي وانا عرضحالجي. واثنينا متورطين بمشاكل الناس.
- مكي (يجامله): بس انت
اكبر مني وافهم مني بالقوانين وما اريد ازعلك.
- ابو سليمان (متذمرا): يامكي يا
ابني. بهذا الزمان ماعاد اكو فرق بين اللي يفهم بالقوانين وبين اللي مايفهم، لآن
حكومتك المحترمة مافيها احد يلتزم بالقوانين.. كل احنا صرنا سوا اللي يفتهم واللي
مايفتهم.
تدخل المشهد امرأة بغدادية تسال الاثنين:
- المرأة: صباح الخير..
منو منكم يعرف ابو سلمان العرضحلجي؟
- مكي (يبادر المراة متطوعا) هذا عمي ابو
سلمان العرضحالجي. واني هم عرضحالجي مثله. انا حاضر بالخدمة خالة!
- المرأة
(تنهر به) انا ما دا اتكلم وياك، انا اريد اتكلم مع ابو سلمان.. صدق لو قالوا
حشرية، يحشرون انفسهم بكل شي، ( تزيحه عن طريقها) وخر عن طريقي!!
- ابوسلمان
(يضحك بارتياح قائلا له): اكلها عاد.. يالله روح لشغلك، (الى المرأة) اهلا اختي
اتفضلي، انا ابو سلمان العرضحالجي، امر خدمة؟
- المرأة (وهي تجلس على الكرسي الى
جانب الطاولة) ما يأمر عليك ظالم.. بصراحة انا ماكنت ناوية اجيك، بس كنت اليوم
بامانة العاصمة الله لاينطيهم ان شاء الله، ولايخلينا امانة بديهم.
- ابوسلمان
(يضحك وهويقول) ياساتر! اصبحنا واصبح الملك لله، زين اختي ادخلي بالموضوع على طول
بدون مقدمات.
- المرأة: هو هذا الموضوع على طول مابيه مقدمات، رحت لامانة
العاصمة اعترض عليهم لآن طلبوا مني اجور حراسة على بيتنا. اجور حراسة مال ستة
شهور.
- ابو سليمان (يهون عليها الامر): مافيها شي اختي.. كلنا ندفع اجور حراسة،
مانقدر نقاوم قرار الحكومة.
- المرأة: هي الحكومة المفروض بيها تدفع للشعب لو
الشعب يدفع تكاليف الحكومة؟ انا ماعلي بالحكومة. مااريد ادفع اجور حراسة، تعرف
ليش؟
- ابو سلمان: لا والله ما اعرف!
- المرأة لان كنت ادفع اجور حراسة
وانسرق بيتي، مو معقولة وحدة مثلي ينسرق بيتها وتدفع اجور حراسة على البيت لامانة
العاصمة!
- ابو سلمان: عجيب!
- المرأة: رحت لامانة العاصمة اعترض، طردوني،
اكو فراش عندهم اسمه ابو ياسين، هو اللي نصحني بان اروح الك علشان تكتب لي عريضة.
- ابوسلمان: اي نعم، ابو ياسين اعرفه. المن تريدين توجهين العريضة اختي؟
-
المرأة: لوزير الداخلية،
- ابو سلمان (يجفل) ولويش لوزير الداخلية، وزير
الداخلية مايقراها، الوزراء دائما مشغولين.خليني اكتبها لامين العاصمة.
- المرأة
(غاضبة) ولويش وزير الداخلية مايقرا عرايضنا عيوني؟ مو احنا الشعب!
- ابو سلمان
(مرتبكا): اختي ناجية، خلينا بالمهم مانريد انخش بامور الحكومة والشعب، خلينا
بموضوعنا. انا راح اكتبلج العريضة بس اريدج تروحين تجيبين لي طابع.لأن ماعندي طوابع
- المراة: من وين اجيبلك طابع؟
- ابو سلمان: من البنك المركزي، قريب من سوق
الشورجة.
- المرأة (تنهض): زين دادة ابو سلمان انا رايحة اجيب الطابع، ساعة
وارجع لك وكون القى العريضة خلصانة.
- ابو سلمان (يتابعها بنظراته وهو يضحك
ويخاطب نفسه): - على ماتلقين طابع لعريضتج تحتاجين ثلاثة ايام. ومنا لغاية ثلاثة
ايام تركضين وراء الطابع راح اتملين، وبعدين تهدا اعصابج وتدفعين اجور الحراسة
للحكومة وراح ينسرق بيتج مرة ثانية وتجيني . وانا هم اقدر اتريق براحتي
الآن.
*****